مقالة في مجلة الحميدية: الأمم المتحدة الإسلامية؛ خلافة على منهاج النبوة

 

 

المجلة الحميدية العدد الثاني_Page_01 المجلة الحميدية العدد الثاني_Page_54 المجلة الحميدية العدد الثاني_Page_55 المجلة الحميدية العدد الثاني_Page_56 المجلة الحميدية العدد الثاني_Page_57 المجلة الحميدية العدد الثاني_Page_58 المجلة الحميدية العدد الثاني_Page_59

من الخطأ أن ننظر لمستقبل العالم الإسلامي على أنه دولة محصورة الحدود، فقد دخل الإسلام إلى أوروبا وإفريقيا والأمريكتين وتعشق فيهما تعشقاً يمنع خروجه منها على الإطلاق، ليتحقق بذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ؛ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلامَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ” [مسند أحمد].

لذا من واجب المسلمين والمختصين أن يبحثوا في الهياكل السياسية والإدارية القادرة على إدارة هذا الكيان الضخم الذي يتجاوز حدود العالم الإسلامي.

وقبل الوصول إلى دراسة عنوان “الأمم المتحدة الإسلامية” فنحن نحتاج إلى دراسة مسألتين:

المسألة الأولى: هل تتعارض الهياكل المتطورة مع الخلافة الإسلامية؟

المسألة الثانية: ما الهيكلية الإدارية التي تتناسب مع المرحلة الحالية؟

هل تتعارض الهياكل المتطورة مع الخلافة الإسلامية؟

الخلافة وردت في حديث واحد فقط، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: “تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ” [مسند أحمد].

وهذا الحديث يتضمن ما يلي:

– تطور الهياكل في عهد الخلفاء الراشدين لم يمنع كونها خلافة على منهاج النبوة، وهذا يعني أن الهياكل الإدارية والسياسية هي آلات تتغير وتتطور، وهو ما سنبحثه في هذه المقالة.

– الخلافة تكون في: التشريعات والقوانين التي يجب أن تكون إسلامية، وفي آلية اختيار المؤسسة الحاكمة، وفي آلية صدور القرارات اللتان يجب أن ترتكزان على الشورى كما يظهر في الحديث من مخالفة الخلافة للحكم الجبري والملكي اللذان لا شورى فيهما؛ سواء أكانت الشورى مباشرة أو تمثيلية، وهو من الآليات التي سنبحثها في هذا المقال أيضاً.

– أي حكم جبري أو فردي لا يمكن أن يكون من الخلافة الراشدة بنص الحديث، مهما ادعى أتباعه أو أنصاره أو أحبابه أو منظروه أنه خلافة، ومهما انخدع به كثير من العامة والرعاع بسبب الشعارات البراقة والمسميات الكاذبة المزيفة، ومهما حاول الدجالون في إعلامه ترسيخ تليك المسميات الكاذبة، ومهما استمات دجالو الإعلام الغربي ترسيخ تلك المسميات من خلال التظاهر بأنهم يحاربونه إعلامياً.

وما ذلك إلا لسبب بسيط، أن تشريعنا وديننا لا يقوم على الأقوال والشعارات الرنانة، ولكن على العمل والتطبيق، فإذا خالف العمل والواقع النصوص والتشريعات، فأصحاب تلك الدعاوى منافقون أو جهال واهمون، وعلى كلا الحالين هم كاذبون.

قال البسطامي: “لَوْ رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَنْظُرُوا وُقُوفَهُ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ”، وبنحوه قال الإمام الشافعي والليث بن سعد.

ما الهيكلية الإدارية التي تتناسب مع المرحلة الحالية؟

قبل الوصول إلى “الأمم المتحدة الإسلامية” فنحن بحاجة لـ “ولايات متحدة إسلامية”: ومع أن هذه العبارة تكررت كثيراً، إلا أنني لن أعالج فيه الأحلام الوردية للخلافة الإسلامية المنشودة، بقدر ما سأناقش الهيكلية السياسية والإدارية لهذا الكيان الضخم، ووسائل تحقيقها، فالمشاريع لا تتحقق بالأحلام، ولكن بالبناء والعمل.

ما إن تقول “ولايات إسلامية” حتى تقوم الدنيا ولا تقعد على استخدام مصطلح “ولاية”، بينما يمر اسم “الولايات المتحدة الأمريكية” مألوفاً وطبيعياً على كل وسائل الإعلام.

وهذا التعبير يمثل في حقيقته النظام الفيدرالي، والذي تتمتع كل ولاية فيه بصلاحيات إدارية واسعة، بينما تبقى الوزارات السيادية بيد السلطة المركزية.

وهذه الهيكلية تبدو في حكم الضرورة للمرحلة الحالية لأسباب كثيرة:

– صعوبة استغناء الأنظمة الجبرية والملكية الحالية عن أنظمتها السياسية، وهذا يستدعي استيعابها على الوضع الراهن ضمن هيكلية سياسية موحدة كبيرة.

– محافظة تلك الأسر على حكمها وسلطتها السابقة التي ربما استعبدت بها الناس وقلوبهم من جهة، حتى إذا شعر الشعوب والحكام بالفوائد التي ستعود عليهم من التوحد ومن السلطة المركزية فسيتمسك الطرفان بها بالتدريج.

– ربما يكون هذا السبب الأهم والأبرز من الناحية الدينية، وهو جعل تلك الكيانات شرعية من خلال تحولها من هيكلية حكم عامة إلى مؤسسة إدارة محلية، ومؤسسات الإدارة المحلية (أو الولايات) هي أشبه بالبلديات، إذ يجوز شرعاً أن تتولى تلك الحكومات مهامها في إدارة الأراضي التابعة بها من خلال التعيين في المرحلة الأولى.

مراحل بناء الولايات المتحدة الإسلامية:

لا يمكن للمشروع العادي أن ينجح دون أن يمر بمراحل متدرجة، فكيف بمشروع ضخم كهذا؟!! بل إن “الولايات المتحدة الإسلامية” هي مرحلة للوصول إلى “الأمم المتحدة الإسلامية”، فهو أيضاً مرحلة لما بعده.

وهذه المراحل كالتالي:

المرحلة الأولى: انتخاب سلطة مركزية قد لا تتجاوز سلطاتها في البداية إلا عملية تنسيق المراحل التالية، ويجب أن يكون اختيارها بالانتخاب المباشر؛ إما الانتخاب على مستوى العالم الإسلامي، حيث ترشح كل دولة الممثلين الذين تتوقع تمتعهم بشعبية على مستوى العالم الإسلامي، ثم يحصل الانتخاب على مستوى العالم الإسلامي، أو الانتخاب على مستوى كل دولة، ثم يشكل هؤلاء المنتخَبون السلطة المركزية.

المرحلة الثانية: ذات مسارين:

– مسار إعلامي فكري يتكون من حزمة قنوات بعدة لغات تحت السلطة المركزية، وكلها تركز على تعليم اللغة العربية، ونشر الوعي الإسلامي العام، مع بقاء القنوات المحلية على حالها ومناهجها وسياستها السابقة دون تغيير في بداية الأمر.

– مسار اقتصادي؛ لأن توحد المال والمصالح الاقتصادية يوحد السياسة والقرار، واختلاف المصالح الاقتصادية يفرق الإخوة، وبالأخص في هذه المرحلة التي لا تملك الشعوب ولا الحكومات أدنى درجات القناعة بوحدة الصف والكلمة. ويشمل المسار الاقتصادي جانبين: جانب رسمي يضم توحيد الخطوط الأساسية في السياسات الاقتصادية، وتقريب المسارات الاقتصادية العامة للدول، وجانب غير رسمي يضم إنشاء تكتلات اقتصادية قوية بين الاقتصاديين والصناعيين.

المرحلة الثالثة: تبدأ بعد رسوخ المسارين السابقين؛ ففي المسار الإعلامي يكون الإعلام قد رَسَّخَ في عقول الناس أهمية العالمية والعولمة، وأخرجهم من مستنقعات الإقليمية والمناطقية الضيقة. أما على المسار الاقتصادي فتكون الدول الأعضاء قد نجحت في الوصول إلى نسبة “الصفر” بالمئة في التجارة البينية، وأصبحت بضائع الدول الأعضاء مفضلة على بضائع الدول الأجنبية.

ففي هذه المرحلة تبدأ تلك الولايات في عملية ازدهار ونمو اقتصادي وصناعي وعلمي وثقافي متسارع جداً، مما يجعلها تسبق كل دول وكيانات العالم، وفي هذه المرحلة تبدأ ملامح التوحد في الظهور، حيث سيتم تثبيت سعر الصرف ويظهر النقد الموحد، وستظهر صناعات ضخمة موحدة باسم السلطة المركزية. وستتحول قطاعات الإعلام والصناعة والتجارة والاقتصاد والمالية من مجرد التنسيق إلى التوحد الحقيقي في السلطة المركزية.

وهذا النجاح في تلك القطاعات سيسمح بدوره في انتقال التوحد إلى القطاعات الأخرى بتلقائية متدرجة وغير مفتعلة، وهي قطاعات الدفاع والتعليم والسياحة والمرأة والشباب والرياضة.

المرحلة الرابعة: الاستقرار الناتج عن المراحل السابقة سيزيد مستوى العلم والوعي لدى الشعوب والحكومات، وسيدفع الشعوب لاختيار حكوماتها السابقة ذاتها؛ وذلك من منطلق الإحساس بالمسؤولية واتخاذ القرارات من منطلق مصلحة البلاد والعباد، لا من منطلق المشاكسة والتنافس على السلطة وعلى الصلاحيات كما هو حالنا اليوم، وهذا سيعزز العلاقة بين الحكام والمحكومين، وبالتالي يعزز الاستقرار الداخلي.

وهذا بدوره سيفتح المجال لتوحد القطاعات الداخلية (الأمن والقضاء) والخارجية (السياسة).

والقول بتأخير قطاع القضاء لا يعني أن التشريعات الإسلامية لا تسري خلال المراحل السابقة في هياكل الدول بشكل تدريجي، وإن تأخر ظهورها العلني الواضح في مجال القضاء المشترك.

من “الولايات المتحدة” إلى “الأمم المتحدة” الإسلامية:

وبهذا تكون “الولايات المتحدة الإسلامية” حيز التنفيذ على أرض الواقع بشكل متكامل. ومشروع كهذا يستغرق من خمسة عشر عاماً إلى خمسة وعشرين، تبعاً لتفاعل الشعوب والحكومات معه وإخلاصهم في السعي إلى تحقيقه.

والعجب كل العجب ممن يتصور أن توحيد العالم الإسلامي ممكن بالقوة العسكرية المجردة في هذا الزمان، وهو ما لم يحصل مطلقاً عبر التاريخ الإسلامي. والأعجب من ذلك من يتوهم أنه يمكن ذلك بالضجة والبهرجة الإعلامية التي ترتكز على السلوكيات الغوغائية، والتي بدورها يستحيل أن تزيل دولة من دول الحكم الجبري أو الملكي، عدا عن أن تتمكن من تأسيس دولة عظمى على أنقاض تلك الدول التي عجزت عن إزالتها ابتداءً!!

وسيتبادر إلى الأذهان هنا سؤالان:

السؤال الأول: أين موقع الأقليات من تلك الخريطة السياسية والاقتصادية؟

السؤال الثاني: هل سيقبل الغرب بحصول شيء من هذا القبيل؟ وهل سيبقى مكتوف اليدين حيال حصول شيء كهذا؟!!

أين موقع الأقليات من تلك الخريطة السياسية والاقتصادية؟

ما يجب أن تفهمه الأقليات قبل الإجابة عن السؤال ثلاثة أمور:

1- أن العالم الإسلامي لن يتحول إلى النصرانية ولا اليهودية، مهما ساعد الغرب في تثبيت الأنظمة الدكتاتورية، أو شارك – بالقرارات أو بالتسهيل أو بصمته – في استمرار واستفحال المجازر ضد المسلمين السنة.

2- لن تستطع دولة في العالم الحفاظ عليهم كما فعل المسلمون، حيث بقيت الأقليات إلى يومنا هذا هي ومنشآتها الدينية لم يتعرض لها أحد، ومن يتعرض لها يعاقب. عدا عن أن الغرب يستغلهم اليوم في ترسيخ الأنظمة الدكتاتورية، وهذا يولد شعور عداء من المسلمين تجاههم.

3- ينتج عن الأمرين السابقين أنهم أول المتضررين من التدهور الاقتصادي والاضطرابات السياسية داخل العالم الإسلامي، فاستخبارات الغرب تقتلهم بالأعمال الإرهابية في مناطقهم لتحرضهم على المسلمين، فإذا تعاطوا مع تلك المخططات وارتكبوا جرائم بحق المسلمين، فإن ردة الفعل ستنقلب عليهم من جهال المسلمين أيضاً، فيأخذون الصفعة من الطرفين.

والدور الملقى على عاتق المؤسسة الإعلامية في السلطة المركزية هو تصحيح هذين المفهومين في أذهان الأقليات خلال المرحلة الأولى، كما أن القوانين الاقتصادية الداخلية لا تختلف بين المسلمين وغيرهم، وبالتالي لن يكون له أدنى تأثير على الأقليات ولا مقدار شعرة.

بقي ما تتخوف منه الأقليات كثيراً، وهو القضاء، وهو ما سيتم توحيده وتغييره في المرحلة الأخيرة، حيث لن تصل إليه الأقليات – بل وحتى الأكثرية – إلا بعد أن يلمسوا بصدق وبشكل عملي عظمة التشريع الإسلامي وعظمة توحد العالم الإسلامي في كل المجالات الحياتية.

حيث سيلاحظ أفراد الأقليات – خلال المراحل السابقة وبعد ارتفاع مستوى الوعي لديهم – أن التشريعات الإسلامية لا تتدخل في أديانهم، ولا تمنعهم مما هو جائز في أديانهم، وأن أديانهم لا تحوي تشريعات، فما الفرق بين أن يحكمهم التشريع الإسلامي أو غيره، وأن ما يشيعه الغرب من أن الدين الإسلامي هو دين قطع الأيادي والأعناق غير صحيح، بل وفيه قدح فاحش في الأقليات بتصويرهم على أنهم لصوص وقتلة وزناة يخافون من عقوبات هذه الجرائم!! عدا عن أن هذه العقوبات هي عقوبات ردع لمنع الشيوع والمجاهرة، وليست عقوبات يتم تطبيقها على كل فاعل، بدليل استحالة شهادة أربعة أشخاص على واقعة زنا صريحة…

وكل ما سبق سيجعل ولاء الأقليات لأوطانهم وللسلطة المركزية أقوى من تحريشات الغرب والشرق للفتنة بينهم وبين المسلمين.

هل سيقبل الغرب بحصول شيء من هذا القبيل؟!

أو بعبارة أخرى: هل سيبقى مكتوف اليدين حيال حصول شيء كهذا؟!!

بالطبع لا؛ لكن الغرب في تلك المرحلة لن يكون قادراً من الناحية الاقتصادية على خوض أي حرب، وشعوبه التي لم تعد كقطيع الأغنام سترفض أي حرب كاذبة خارج الحدود، ومحاولة الحكومات لإيقاف الزحف الإسلامي بين شعوبها سيدفعها لاستخدام العنف لإيقاف هذا التغلغل والتمدد، وهذا سيمثل دعاية مضافة للدين الإسلامي تزيد من انتشاره، مما يدفعها للشراسة المضاعفة ضد المسلمين ومحاربة الفكر الإسلامي.

وعندها ستنشغل بقضاياها الداخلية أولاً، وستظهر بوجهها الدكتاتوري الحقيقي بعد عقود من النفاق أمام شعوبها ثانياً.

الأمم المتحدة الإسلامية ستُوْلَدُ من صلف الدكتاتورية:

ما سبق سيمثل نقطة التحول القوية باتجاه “الأمم المتحدة الإسلامية”، حيث ستطلب تلك الشعوب المغرر بها لقرن من الزمان الحرية، وسيكون المنفس الوحيد لها باتجاه “الولايات المتحدة الإسلامية”، حيث ستطلب تلك الأمم (غير المسلمة) التبعية والانضواء تحت تلك “الولايات الإسلامية”، لتتحول من “ولايات متحدة” إلى “أمم متحدة” تحت حكم الإسلام العادل الذي حكم العالم لقرون بعدله على اختلاف أمم وملل وأديان التابعين لهذا الكيان.

ومن هذه التساؤلات ندرك أن ما نظنه عامل ضعف وانهيار هو في الحقيقة عامل قوة وازدهار لمشروع الحرية المطلقة والعدالة العامة على وجه الكرة الأرضية؛ فالبشرية في أوج تيهها وضياعها تبحث عن بقعة ضوء صغيرة تنير لها الطريق، فكيف بها إذا وجدت خلال ذلك نوراً عظيماً يحول ليلها إلى نهار، ليشعر الإنسان في مجاهيل أفريقيا وفي شرق آسيا أنه حقيقة ابن آدم وحواء، وأنه أخ لذلك المخلوق الذي يعيش في الغرب أو الشمال، فهم جميعاً بشر مهما اختلفت ألوانهم ولغاتهم وطباعهم.

بقي أن ندرك أن القوانين والتشريعات التي هي أساس الحكم الإسلامي وهي أساس وجوهر الخلافة لم تتدرج ولم تتأخر إلا من باب التدرج في التطبيق، مع اعتقاد كل مسلم مؤمن بأن تطبيق الشريعة واجب لازم ثابت. ولذلك دليلان:

الدليل الأول: أن تأخر مرحلة بناء الدولة في المدينة المنورة عن مرحلة بناء الإنسان لا تعني عدم أهمية الشريعة، بل تعني أن دولة الخلافة لا يمكن تأسيسها على الجهال والمنحرفين حديثي العهد بالإسلام، وإنما تتأسس على بنية بشرية قوية هي التي ستحقق الاستخلاف في الأرض كما قال تعالى: { قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، وقال أيضاً: { يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26]. فالخلافة هي وظيفة كل إنسان على وجه الأرض، وليست وظيفة الخواص وحدهم.

والدليل الثاني: ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: ” بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ” [مسلم]، أي: سيعود للظهور غريباً كما بدأ وظهر في عهد النبوة غريباً.

أنواع القوانين والمجالس في “الأمم المتحدة الإسلامية”:

وعندما نتكلم عن القوانين والتشريعات فيجب أن نتصور أيضاً استحالة تطبيق قوانين واحدة على رقعة شاسعة كهذه من شرق الأرض إلى غربها، وهنا يجب أن ندرك أن القوانين في دولة كهذه على أنواع:

1- القوانين الدستورية: وهي التي ترسمها الغالبية المسلمة.

2- القوانين الاتحادية: وهي القوانين المبنية على أصول الشريعة فلا تتبدل بتغير الأعراف وتغير الأزمنة والأمكنة.

3- القوانين المحلية: وهي القوانين التي تتغير بتغير الأعراف والأزمنة والأمكنة.

4- القوانين التي تحكم العلاقات بين الولايات أو الأمم.

5- القوانين التنظيمية والإدارية: وهي القوانين التي تتبدل وتتغير بتطور النظم الإدارية والسياسية؛ سواء على مستوى السلطة المركزية، أم على مستوى الولايات.

وصياغة القوانين والتشريعات يقتضي وجود مجالس على ثلاث مستويات:

1- مجلس الاختصاص: ويضم بداخله كل المختصين في مجال محدد على مستوى الولاية الواحدة.

2- مجلس الولاية أو الأمة: ويضم ممثلين عن كل الاختصاصات الموجودة داخل الولاية.

3- المجلس العام: ويضم ممثلين عن كل مجلس من مجالس الولايات.

وبهذا يكون توزيع الشورى شاملاً لكل أفراد المجتمع دون استثناء، ومشورة كل شخص لا تخرج عن اختصاصه. وبهذا يتحقق ركن “الشورى” على الوجه الأكمل داخل نظام الـ “خلافة على منهاج النبوة”، وهو ما يحتاج لمزيد بيان في مقال مستقل بإذن الله تعالى.

2 Responses

اكتب رداً