درست العلوم الشرعية لسنوات ورأيت مقدار دقتها وعمقها وصعوبة الاستنباط من نصوصها…
لكن عندما كنت في دبي
كان مهندس يصلي مأموماً في الجامع الذي كنت إماماً وخطيباً يحاول إقناعي بتصحيح مساري العقدي، وأنا أقول له: نحن غير مطالبين بما تقوله شرعاً ولا يوجد نص يطالبني بما تطالبني به!!
وفي حلب كان رئيس لجنة الجامع مهندساً يحاول جذبي لعبقرياته في علم مصطلح الحديث، وعندما سألته هل رأيك فيها قطعي أو ظني جزم بأنه قطعي، فقلت له: يستحيل أن يكون رأي الرجال في الرجال قطعياً…
وعندما جئت إلى عنتاب أصبح يجادلني مهندس في تفسير القرآن وتأويل آياته بعيداً عن اللغة وأسباب النزول، فاعترفت بالعجز أمامه، فلما أصابته النشوة وانتفخ قلتُ له عبارة الإمام الشافعي: ما جادلني جاهل إلا غلبني!!
وفي أحد المخيمات أصبح مهندس يناقشني في نظام الحكم الإسلامي والسياسة الشرعية، فقلت له: إذا تجاوز حكمك أرنبة أنفك فسنناقش المسألة حينئذ!! والحال الآن ما ترونه واضح لا يحتاج لشرح..
وفي الشمال السوري دخلت في نقاش عنيف مع مهندس في الأحكام الفقهية للغنائم؛ هل هي غنائم أم سرقات؟!! وهل الشبيحة كلهم كفار أم تختلف أحكامهم تبعاً لتوصيفهم الفقهي؟!! وهذا طال حواري معه؛ لأنه يتكلم في اختصاصي!!
ثم عندما أردت إنشاء إذاعة قرآن كريم في مدينة الباب طلب مهندس في المجلس الثوري للمدينة تقريراً عن محتواها ليتأكد من موافقته للفكر الإسلامي الصحيح!!
فلما سيطرت داعش على الشمال صادفتُ مهندساً داعشياً يقوم بتقييم سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ويفضل المرحلة المدنية على المكية، بل يحقر المرحلة المكية ويخرج بفقه سيرة جديد، فاستأذنت في الحديث في حضرته ونسفت كل تخريفاته، ثم استيقظ بعد فترة من الزمن فقتلته داعش بتهمة الردة بعد أن شعر بجهله وعظيم اختراق المخابرات بأنواعها لدولته المزعومة!!
ليست المشكلة في علم الهندسة والمهندسين، فنحو هؤلاء يوجد أطباء وحرفيون وتجار ويوتيوبرز وفيسبوكيون وووو؛ لأنهم يحتقرون الشريعة ويظنونها بسطة بالكيلو وليست علماً، فلا حاجة للتعلم في أي اختصاص من الاختصاصات السابقة لممارسة الاستنباط وفهم تلك العلوم العظيمة!!
دراسة العلوم الشرعية باجتهاد وتفوق قد لا تكفي للخوض في تفاصيلها، كما أن التخرج من كلية الهندسة لا يجعلك مهندساً ممارساً، ولا يكفي لبناء مشروع ضخم متطور!! فأنت تحتاج لاختصاص وممارسة وشمولية مقترنة بالدقة لتخرج بنتائج قريبة من الصواب في اختصاصك الشرعي، وتحتاج لاجتهاد جماعي وعمل مؤسساتي منظم لتخرج بنتائج شرعية صحيحة!!