هذا مقال كتبته في صفحتي الفيس البوك المحذوفة أعيد نشره من جديد، فلعل الله يجعل فيه نفعاً لي ولمن حولي:
1ـ لا تصرخ في وجه النمر ؛ لأنك الأضعف ، والنمر بعد التحفز للافتراس لا يمكنه التمييز بين الخطأ والصواب … ولا تعنف كلباً ؛ لأن أسنانه ومخالبه حادة ، وإذا أصابك شيء من صعاره فلن تستفيد شيئاً من صراخك .. اصمت ، فالصمت يحرق قلبه ويكوي حشاه .
درس الهدوء هذا هو أول درس تقدمه للحيوانات الضارية المفترسة في مجتمعك .
2ـ اشحن قلبك بالعداوة ضد جميع السلوكيات المنحرفة ، لكي تملك القوة الكافية لتنظيف المجتمع من الفساد . ولكن لا تملأ قلبك حقداً على أحد ، كيلا تعض أحداً بعد أن تبرز أنيابك ، فتكون ـ من حيث لا تشعر ـ كتلك الكلاب التي عضتك في يوم من الأيام ، لا تميز بين النقمة على أخطاء البشر والنقمة على البشر .
ليكون ذلك الدرس العملي الثاني في التمييز بين تنظيف المجتمع من الفساد ، وبين تنظيف الفساد من المجتمع !!
3ـ ابذل ما في وسعك ليكون لديك إبرة تلسع بها من يحاول الهجوم عليك دون أن تؤذيه . ولكن حذار من السم الزعاف ؛ لئلا تقتل مَنْ تحب مِنْ حيث لا تشعر .
تلسع في حالة ضعفك ، وتعفو عند مقدرتك ، لتعلمهم في هذا الدرس الفرق بين العقوبة والانتقام !! وكيف تكون الشدة مع الرحمة ؟! وكيف تكون العظمة مع التواضع ؟!
4ـ لا تحد عن الحق ؛ لأن انحرافهم مألوف لهم ، وميلك في نظرهم انتكاسة وزيغ لكامل الوطن . دائماً يكذبون ، لكنهم في هذه صدقوا ؛ لأنك على يقين أن ” هلاك العالِم هو هلاك العالَم ” ، فمهما استعظموا أخطاءك ، فهي في عينيك أعظم وأشد .. فإن كان هدفهم من تعاظم الأخطاء تشويه صورتك ، فهدفك تصحيح مسيرتك .. فمتى علموا ذلك ـ وسيعلمون ولا شك ـ فسيتعلمون درساً في استثمار أخطاء الذات .
5ـ قف حيث تراك جميع الحيوانات المفترسة ؛ فهم في أقفاصهم العاجية على منصات الكراسي وبهرجتها ، يفرحون بتصفير هذا وتصفيق ذاك ، بل ربما رمى أحدهم حجراً فظنوه ” رشوة ” ، فطأطأوا لتلقفه ، بل ربما رمى أحدهم ـ فعلاً ـ بضع حبات من البذور ليستمتع مع أسرته بمشهد الطأطأة هذا . وأنت ترمق مع أولادك في الأسفل ما يجري حولك من بعيد ، فَتُعّلَِم أبناءك أن العاقل لا يغتر ببهرجة الدنيا ، ولا يطأطئ لأحد إلا لله .
تقف في الأسفل فتعلم تلك الحيوانات الدرس الخامس في التفريق بين العلو الحقيقي والعلو المزيف .. علو الظالم الجاهل في جوقة من المنافقين الذين ينفضون عنه إذا اشتد الأمر ، والامتداد الراسخ للحق بين أعماق الأرض وعنان السماء .
6ـ وتقف بعيداً لتعلمهم كيف يتحرر الإنسان من شهواته ونزواته ، ومن الذل والخضوع لبشر ، وينتقل من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد .
7ـ لا تدري لماذا يراقبون خطواتك وحركاتك ؛ أهو الحسد بسبب صلاحك وفسادهم ؟ أم الكره أنك حجر عثرة أمام مصالحهم ؟ أم الاستغراب من جرأتك ؟ أم الخوف من الحقيقة ؟ أياً يكن السبب ، فهذه المراقبة والملاحظة الدقيقة لحركاتك وسكناتك سيتعلمون منها ـ يوماً ما ـ كيف تكون السلوكيات البشرية .
تلك المراقبة والتأمل هي الدرس السابع الذي تتقنه حيوانات الغاب ولا تتقنه حيوانات البشر ، فإما أن يستفيدوا من جلسات التأمل تلك ، وإما أن يموتوا غيظاً لأن كل مكرهم وخداعهم هو يبور .
8ـ وعندما ينفجرون غيظاً منك ، فسيقيدون قلوبهم بالكره والحقد والغيظ والحسد ، فسيزدادوا بذلك مقتاً على مقتهم ، ويناموا على ضغينة ، ويستيقظوا على غل .. وهل هناك غلٌ أعظم من غل القلوب وقيدها ؟!
وقلبك في أعظم درجات الحرية يسبح في رحمات الله وألطافه .
فتعلمهم بذلك الحرية الحقيقية التي تتحرر بها الأرواح عن الكره والحقد والحسد ، قبل أن تتحرر الأجساد عن الذل والخضوع .. تلك الحرية التي لو يشعر بها الملوك في داخلك لقاتلوك عليها .
وغاية ما يمليه عليهم حقدهم أحد أمرين :
9ـ الأول : أن يكونوا سبباً في سجنك ، فإذا بك وأنت في السجن تعلمهم الدرس الثامن ؛ فجسدك سجين ، وسجن أجسادهم أعظم وأشد ، فهم لا يتحركون إلا بمقياس ، ولا يمرحون إلا بمقياس ، ولا يخالطون الناس إلا بمقياس ؟! فقيدوا بذلك أجسادهم مع قلوبهم .. هم محبوسون في أقفاصهم الجسدية والقلبية ، وأنت قلبك يمرح خارج الأقفاص في ملكوت الله متى شاء !! وأينما شاء !! وكيفما شاء !! هم سجناء في الأعلى ، وأنت حر في الأسفل !!
فيتعلمون بذلك أن الجسد المسجون هو حر بتحرر الروح ، والجسد الحر مقيد بالروح التي تكاد تختنق بقيودها .
10ـ الثاني : أن يحسموا أمرهم بقتلك فيا أسعدها من لحظة وفوزها من ساعة ، فقد نقلوك من ذل الدنيا وضيقها إلى سعة الآخرة ونعيمها .
فهل نالوا بقتلك غير الظلم أولاً ، والمقت من الخالق والخلق ثانياً . فإما أن يتوبوا ويتبعوك في مسيرتك ونهجك في الإصلاح . وإلا فَسَيَروا ـ بأم أعينهم حينئذ ـ الصورة على حقيقتها في الآخرة :
ـ من في الأعلى ، ومن في الدرك الأسفل من النار .
ـ من السعيد ، ومن هو في بؤس وشقاء .
ـ من العزيز ، ومن الذليل .
ـ وستزداد قلوبهم اشتعالاً فوق اشتعالها .
ـ وستغلي رؤوسهم بلهيب النار كما غلت من قبل بجنون العظمة .
ـ ولن يبقى هناك مال للرشوة ، ولا أجساد للجاه ، ولا نسل للنسب ، ولن ينفع التزلف والدجل والنفاق ، فالحكم اليوم يعلم السر قبل العلانية ، وشهود القضية هم أعضاؤه كلها ، ومنها قلبه الذي حرقه في يوم من الأيام بحقده وكرهه .
ـ وأنت في كل هذه المعمعة باق على هدوءك وسكينتك واطمئنانك ؛ لأن مسيرة الاطمئنان لا يمكن لها أن تتوقف .
وفي كلا الحالين فلن يذهب دمك سدىً ؛ فإن تابوا فبها ونعمت ، وإن لم يتوبوا فسيسجل التاريخ حقيقة القاتل والمقتول ، وعندها سيخرج من أصلابهم من يقرأ التاريخ ويتبع الحق .
الهدوء ـ محاربة الأخطاء لا البشر ـ العقوبة دون ظلم ـ استثمار أخطاء الذات ـ العلو الراسخ الممتد ـ عدم الخضوع لأحد أو لشيء ـ تأمل المشكلة وتأمل الحل ـ تحرير القلوب عما يكدرها ـ حرر جسدك بتحرير روحك ـ العاقبة للحق مهما كان مصيرك .