ينبغي التنبيه بدايةً:
- إنني عندما أحلل وأقول: “يتوقع حصول كذا” فهذا تحليل، ولا يعني أنني أعلم الغيب، ولكنها نتائج علمية مبنية على مقدمات. وقد كتبت عشرات المنشورات قبل 5 سنوات، وكل شخص أصبح يؤولها كما يريد، وبعضهم صنفني على طريقة المخابرات في التصنيف، وقليلون فهموها، وبعضهم فهمها بعد فوات الأوان،لكن في النهاية حصل ما حذرت منه مع الأسف. واليوم أنا مبتعد تماماً عن الساحة وأكتفي بالمراقبة، وهذا منشور واحد فقط، فمن يريد أن يفهم فحيهلاً، ومن لا يريد أن يدرك ما يدور حوله فلينتظر ليرى ما يحذره ونحذره جميعاً بعينيه!!
- عندما أتكلم أن هذا سيحصل فهو لا يعني أنني أريد حصوله كما فهم بعض الناس من منشوراتي قبل 5 سنوات!! بل إن حصول بعضها يؤلمني جداً، لكن أصحاب القرار لا يعبؤون بي ولا بما أريد، كما لا يعبؤون بكم ولا بما تريدون إذا لم يكن لكم تأثير حقيقي على أرض الواقع (غير الصراخ والعويل طبعاً).
- هذه التحليلات وهذه النصائح إن أعجبتك فاقرأها بعقل الناقد ولا تقرأها بعقل المؤيد لكل ما فيها، لكن تذكر أن تميز بين ما يحصل وبين ما نريد وبين ما يجب حصوله ليتحقق لنا بعض ما نريد. فعندما تقول: لا نريد كذا وهذا خطأ فلا يعني هذا أن الكرة الأرضية ستنطق الشهادتين وتنفذ ما تحلم به. وعندما تقول: هذا لن يحصل لأن قلبك يرفضه فهذا لا يعني عدم حصوله، فالحياة ليست مسلسل أو فيلم عاطفي. وعندما لا تعجبك نصيحة من نصائحي فقدم بديلاً عنها؛ لأن نسف حل من الحلول لا يخلق حلولاً جيديدة بشكل تلقائي، وعدم اتخاذ إجراء (كما يحصل في مرحلة السكون بين كل صراعين فصائليين) لن يحل المشكلة ولن يمنع الصراع الفصائلي التالي (انتظار الموت لا يمنع الموت، ولكن يصيب المدنيين بحالة اضطراب وفوضى وخوف من المجهول وووو).
- وإن لم تعجبك هذه التحليلات والنصائح فضعها في أقرب سلة مهملات ولا تزعج نفسك لأجلها. لكن تذكر: إن الحق لا يغني عن الواقع واتخاذ الأسباب شيئاً. والألم والصراخ والاستنكار لا يغير شيئاً من الواقع، فكلنا تألمنا ولم يتغير شيء.
وفيما يلي بعض المقدمات الفكرية، ثم يتبعها بعض النصائح:
- استمرار الفوضى في الشمال يربك تركيا ويشوه صورتها، وهذا يستوجب ضبط المنطقة.
- الضبط لا يعني الوصول بها إلى المثالية، ولا يعني التحسين الفوري في الأوضاع، لكن الضبط ينتج عنه تحسن تدريجي بعيد المدى وغير منظور.
- تركيا تقبل بإدارة كردية في العراق تحمي التركمان وتحميهم من قذارة السياسة والسياسيين وتقلبات المنطقة، وهذا خير لها من تركماني أحمق وفاسد يكون سبباً في قتل التركمان ويدخلهم في صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
- معظم الفصائل التركمانية الحالية لا تعرف شيئاً عن تركيا ولا اللغة التركية، وربما هي ليست تركمانية.
- الفصائل التركمانية عجزت عن الضبط، وأصبحت مصائبها أكبر مصروفها في المنطقة.
- دخول الحشد الشعبي والجيش والشرطة العراقيين إلى تكريت في عام 2015م أكبر دليل على النقاط الثلاث السابقة.
- الأحقاد والدماء والتحريض الطويل بين الجيش الحر والهيئة سيجعل من الصعب دخول الهيئة إلى الشمال إلا بعدد ضحايا كبير جداً، وربما لن يحصل إلا بعشرات المحاولات المتتالية.
- ما سبق سينتج عنه حملة نزوح كبيرة جداً من الناشطين المدنيين والعسكريين من الشمال تجاه تركيا، وهذا ما لا تقبل به تركيا، لا حالياً ولا فيما بعد.
- أثبتت بعض الفصائل أنها تعجز عن أي عمل عسكري تجاه النظام، بل تتظاهر بالعجز ورفض دولة ما لأي عمليات، ليس لأن دولة ما منعتها كما يدعون كذباً، ولكن لأن مقاتلي النظام وقسد هم أولاد عم (بكل ما تعنيه الكلمة من معنى: أولاد العم اللزم) للمقاتلين من طرف الجيش الحر، والأقارب متفقون على هدنة بين الطرفين!!
- بين جيش الإسلام والهيئة حقد قديم، ويصعب حصول توافقات بينهما إلا بغطاء آخر وواجهات أخرى، بل إن تركيا كانت ترفض دخول سلاحه للشمال السوري عندما نزح من دمشق، مع أن كلا الفريقين سلفي حسب الظاهر!!
- الجبهة الشامية تتعامل مع المواقف السياسية والعسكرية بمثالية مفرطة، ولا تستطيع أن تفهم أنه لا مكان للمثاليات في نجاسة السياسة، وهذا سبب لها مشاكل كثيرة سابقاً وسيسبب لها مشاكل كثيرة فيما بعد.
- لا يمكن أن تسيطر الهيئة على كامل الشمال السوري بهذا الاسم ولا بهذه الوجوه، وإلا فإن العالم الذي يكيل بمكيالين سيبدأ -بعد بسط الهيئة سلطتها على كامل الشمال السوري- بحملة إعلامية شرسة تشبه ذريعة أسلحة الدمار الشامل في العراق لمهاجمة تركيا بسبب الهيئة، وبالتالي إخراج تركيا من مسرح الشمال السوري بالكامل.
- الهيئة تحقق مجموعة توازنات في إدلب، وإذا حصل توافق على توسيعها فلن ترفض تركيا ذلك، بغض النظر عن التبعية الحقيقة التي تتبع لها الهيئة سراً؛ فالذين يهاجمونها مضطربون جداً حتى الآن في تحديد الجهة الحقيقية التي تتبع لها، وهذا يجعل تحليلاتهم بعيدة جداً عن الواقع، وتوقعاتهم تدخل في مليون حيط ومليون مأزق.
- فشل الثوار في إزالة الأسد يعني تطبيع كامل المنطقة مع الأسد؛ لأنه السلطة الشرعية المعترف بها في الأمم المتحدة، سواء قبل الثوار بهذا أم لم يقبلوا، وسواء أعجبهم أم أزعجهم. ونواحنا وتألمنا وصراخنا لن يغير شيئاً من هذه الحقيقة إذا لم نستطع تغيير شيء على الأرض. وأي كيان قادم سيلعب هذا الدور، فإذا لم يكن من الثوار فسيكون من غيرهم، وإذا لم تقبل به الفصائل الشريفة بضوابط ومعايير وشروط ووضع خاص للشمال واعتراف ببعض مؤسسات المعارضة (كما فعلت قسد) فستفعله الفصائل المرتزقة والوضيعة والمنافقة والمنبطحة ووووووو بدون مقابل. والذي عجز عن مناطحة الأسد بسبب دعم العالم له فلن ينجح قطعاً في مناطحة العالم بشكل مباشر للعزف على وتر المثاليات الفارغة.
- خلاصة ما تحتاجه المنطقة والذي سأبني عليه نصيحتي التالية في أسفل هذا المنشور: ضبط المنطقة / منع نزوح كبير تجاه تركيا / واجهة سياسية محايدة للمرحلة القادمة تتمتع بمرونة وعقل وموازنة.
وفيما يلي بعض النصائح للموازنة بين تناقضات ما سبق:
- يجب جلوس الهيئة مع الفيلق (بحضور تركي من أصحاب القرار) والاتفاق على صيغة توحد الشمال السوري وتوقف التحريض بين الطرفين؛ لأن الكتلتين أمر واقع في المنطقة كلها، وتتمتعان بشعبية من الناس. والتفكير بطريقة استئصالية من أي طرف مستحيل الحصول، ونتائجه وخيمة على الناس. فالعقل والواقع والشرع يستوجب على الطرفين تقبل الآخر.
- يجب أن يذوب جيش الإسلام داخل الجبهة الشامية ويتخلى عن أحلامه الفصائلية التي تسببت في سفك الكثير من الدماء في دمشق، ولا يكرر ذلك في الشمال السوري؛ لأن التوحيد سيحصل رغماً عن الجميع، وإذا حصل بإرادة ذاتية وعقل فهذا خير من التوحيد بالقهر والذي سينتج عنه سفك كثير من الدماء. عدا عن أن التوحد فريضة شرعية قبل أن تكون صرماية دولية لسحق الفصائل!!
- يجب ذوبان الفصائل التركمانية تحت الهيئة كونها وثقت بها في الصراع الأخير، فهذا يؤدي إلى تحييد التركمان في أي صراع مستقبلي بين الجيش الوطني وقسد (الكردية)، ويحميهم من العناصر الداعشية المتغلغلة بينهم.
- سقف سياسي (بالتنسيق مع الأتراك) مقبول شعبياً باسم جديد من خارج البسطة العسكرية الحالية تذوب تحته المسميات العسكرية، ويكون غطاء للاتفاقات السابقة بين العسكر.
- أن تكون هذه التشكيلة السياسية من التكنوقراط الذين يتمتعون بقبول دولي أولاً، وغير محسوبين على تيار من تيارات الفصائل ثانياً، ويمكنهم الموازنة بين الواقع والمأمول، أو بشكل أوضح رغبة العالم بتوحيد الأرض السورية تحت الحكومة المعترف بها دولياً، وبين وضع خاص للشمال السوري يحفظ الكتلة السكانية من مجزرة ومن مزيد من حركات النزوح، ولا تكون لها صبغة معينة؛ حتى لا تكون ذريعة في المستقبل لخلط الأوراق من جديد.
- لا يوجد أي مانع من وجود وزراء (مدنيين حصراً) في هذا السقف من حكومات المعارضة المختلفة (مؤقتة، إنقاذ، افتراضية، منفى…)، ممن لا توجد عليه سوابق فساد أو جرائم أو تكرهه شعوب المنطقة أو ما شابه ذلك.
- توحيد مؤسسات الشمال السوري المدنية كاملةً تحت السقف السياسي الجديد، مع فصل القرار العسكري عن القرار السياسي، فالقرار السياسي يديره السقف السابق بغض النظر عن تواصلاته السياسية والعسكرية، والكيان العسكري يديره مجلس عسكري ثلاثي كما سيأتي.
- وجود لوائين عسكريين فقط في التشكيلة العسكرية الجديدة: لواء الغرب، ولواء الشمال.
- إخفاء المسميات الفصائلية تماماً تحت هذين اللوائين، وحظر رفع أي لواء غير اسم اللواء، وإعادة هيكلة العساكر تحتهما، وحصر تواجدهم في المقرات أو على الجبهات، وهذا يضبط الأعداد الحقيقية للعناصر ويقلل الهدر المالي الحاصل، ويضبط الأمن، ويقلل المقرات الأمنية التي هي كأفرع المخابرات هناك، ويقلل عدد العصابات داخل التركيبة الجديدة، وله فوائد كثيرة لا حصر لها.
- يتم الاتفاق على ذلك ضمن مذكرات تفصيلية تأتي تباعاً بشكل متدرج أثناء سير عملية المفاوضات طويلة الأمد بين تلك الأطراف.
- تتم إدارة الجيش الوطني بتركيبته الجديدة من مجلس عسكري ثلاثي: واحد من الهيئة غير الجولاني ولو كان قراره مرتبط بالجولاني 100%، وواحد من الجبهة الشامية غير عبد الله عثمان وأبو أحمد نور وغيرهم ممن عليهم بلوك من تركيا، ولو كان الشخص المعين في المجلس يرجع لهؤلاء في قراره 100%، وواحد من التركمان الحقيقيين والعقلاء والمخلصين لتركيا وليس من الذين ينافقون لها ويشوهون سمعتها ويغررون بها ويستدرجونها لنكسة سياسية وعسكرية مؤلمة.
- الهيئة لا تتحرك إلا بإذن من تركيا، والتركمان قرارهم تركي محض، إلا في الجرائم وعمليات التهريب، ولم يبق إلا الجبهة الشامية، فيجب عليها أن توازن بعقل وسياسة بين المثاليات والواقع حتى لا تصبح خارج الملعب السياسي والعسكري، فمنشورات الناشطين على الفيس وتويتر لن تنفعها، كما لم تنفع الزنكي وغيره من الفصائل في شيء من قبل. نعم، قد تؤخر حصول ما يحذرونه بعض الأيام والشهور، لكنها لن تمنعه قطعاً بشكل كامل.
- يمكن معالجة تفاصيل ما سبق أثناء المفاوضات المطولة بين الأطراف المعنية، فالسياسة ليست عمل عسكري يحسم الأمور في ساعات أو أيام.
هذا والله أعلم، وأسأل الله أن يحقن الدماء ويلطف بالبلاد والعباد، فالوضع لا يحتمل مزيداً من العبث. اللهم إني أبرأت ذمتي فيما أعلم، فلا تؤاخذني اللهم فيما لا أعلم، ولا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا.