يقاس التطور الصناعي في زماننا بمقدار الصناعات الثقيلة، وكون تركيا ناشئة في مجال الصناعات الثقيلة، فإن قوتها وتطورها الصناعي يكمن في اختيار الصناعات الصحيحة، وفيما يلي تسليط الضوء على تاريخ بدء الصناعات الثقيلة في تركيا وسياساتها التصنيعية:
- كلنا نعلم أن الصناعات الثقيلة بدأ بها نجم الدين أربكان، فهو رائد الصناعات الثقيلة في تركيا.
- كانت البداية قبل توليه لأي منصب، فبعد حصوله على الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية في ألمانيا رجع إلى تركيا، وصنع محرك ديزل في مختبر الجامعة، ثم تحول إلى مشروع ضخم لإنتاج محركات الديزل، وأطلق على المحرك اسم “المحرك الفضي”، وبدأ إنتاجه الفعلي عام 1960م.
- أصبح عام 1969م رئيساً لاتحاد غرف الصناعة والتجارة، لكن الحكومة أخرجته بقوة الشرطة!!
- أثناء حكومته الائتلافية الثانية عام 1975م قام بحملة صناعات كبرى في مجال “الطاقة والمعادن والري والمواصلات”، كونها أساس الصناعات الثقيلة، وأحدثت تلك الحملة نقلة نوعية خلال العامين 1976-1977م.
- 5 مايو 1990م تم تأسيس اتحاد الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك المستقلين، ومع أنه قد شاع بين الناس أنه ذو توجه إسلامي، إلا أنه كيان أهلي لا يتدخل في القضايا الدينية أو السياسية بشكل صريح، ويحوي رجال أعمال من مختلف شرائح المجتمع الدينية والسياسية، ولكن يجمعها هدف النهوض بالمستقبل الصناعي والتجاري التركي على الصعيد المحلي والدولي، وقد قامت بنشاطات عدة دعمت الصناعة التركية، ومن تلك النشاطات:
- الوقوف في وجه مافيات الاقتصاد المحلية.
- دعم الخطوات الحكومية البطيئة والضعيفة.
- دعم الصناعيين الناشئين من الطبقة المتوسطة، في إشراكهم في المعارض الدولية لترويج صناعاتهم، كما أنهم يدعمون صغار الصناعيين عن طريق إدخالهم كجزء من خطوط الإنتاج للصناعيين الكبار.
- أصبح لها فروع في عدد من الدول حول العالم، فأصبح لها نشاط فاعل خارج الحدود في الترويج للصناعات التركية.
- إن الفشل في هذه الصناعات يمثل ضربة كبيرة لسمعة تركيا الصناعية، لذا عندما تولى نجم الدين أربكان رئاسة الوزراء عام 1996م أسس لشراكات تصنيع مع دول أخرى تعود حقوقها لتركيا بعد انتهاء مدة العقد، وكان الهدف من هذه الخطوة امتلاك تركيا لتقنيات التصنيع بشكل أسرع وبطريقة عملية تطبيقية، وليس بطريقة نظرية كالتي تُدَرَّس في الجامعات، أضف إلى ذلك أنه كان يشعر بترصد العسكر له، وأنه لن يستمر في الحكم طويلاً، فقيد الحكومات التالية له بهذه العقود.
- مجموع هذه الجهود حولت تركيا من بلد للتوكيلات الأجنبية الغربية حصراً، إلى بلد صناعي يصدر للغرب والشرق وللعالمين العربي والإسلامي، فخرجت تركيا بذلك من التقوقع على ذاتها وعلى الغرب لأسباب سياسية وأديولوجية إلى الانفتاح الصناعي على العالم، فالصناعي يجب أن يفكر بترويج صناعته في كل مكان، ولا يقصرها على دول دون أخرى بسبب علاقات الود والكره الأديولوجي والأقطاب السياسية.
- الصناعات الثقيلة تحتاج لموازنات ضخمة، وكانت تركيا بين خيارين: خيار الصناعات العسكرية، وخيار الصناعات المدنية. وبما أن المنطقة عموماً وتركيا خصوصاً معرضة لاحتمالات الحرب إذا بدأت بالاستقلال الحقيقي، وإذا خسرت الحرب فهذا يعني خسارة كل شيء، فقد رجحت جانب الصناعات الثقيلة العسكرية، واختارت من الصناعات الثقيلة المدنية الصناعات الاستراتيجية، كالطاقة والمواصلات والفضاء، ودخلت في شراكات تصنيع أو تجميع في باقي الصناعات المدنية الثقيلة التي لا تستطيع العمل بها منفردة حالياً.
- أصبحت الدول الغربية -كلما شعرت باحتمال استفادة تركيا من هذه الاتفاقيات- تحاول التملص منها، وهذا دفع تركيا للعمل منفردة في هذه المشاريع، ومع أن هذا فيه صعوبة بالغة أشبه بالبداية من الصفر، لكنه يمنحها قوة مضاعفة في المجال الصناعي.
- بعد أن قطعت تركيا شوطاً جيداً في مجال الصناعات العسكرية بدأت في مجال الصناعات المدنية الاستهلاكية، كالسيارات، والأدوات الكهربائية.
- لكي تحقق تركيا نقلة نوعية في مجال الصناعة فهي تحتاج لما يلي:
- يجب أن توسع المدن الصناعية المشتركة في الدول الفقيرة على حدودها، كالشمال السوري وشمال العراق وأذربيجان وغيرها، فهذا يزيد الأيدي العاملة الرخيصة.
- يجب أن تحسن علاقاتها السياسية مع دول الشياطين، وذلك بهدف تصريف صناعاتها الثقيلة والخفيفة؛ سواء الاستهلاكية أم الاستراتيجية.
- يجب تسريع خطوط إنتاج الصناعات الثقيلة الاستهلاكية؛ لأن الغالبية العظمى من شعوب العالم استهلاكية.
- الصناعة الإلكترونية الدقيقة (كالهواتف المحمولة والحواسيب)، والبرمجة (برمجة الأجهزة وبرمجة مواقع الإنترنت)، فهي ضرورية للاستقلال الصناعي الكامل من جهة، وتمثل دعاية مباشرة للصناعات التركية بين الشباب حول العالم من جهة أخرى. فمواقع التواصل إذا كانت محلية -على سبيل المثال- فإنها تتحكم في مقدار تدفق الإعلانات المتعلقة بالصناعات التركية بين رواد هذه المواقع، وتوفر أجهزة هواتف ذكية تركية بيد الشباب خارج الحدود يوصل اسم تركيا وصناعاتها إلى حيث تصل تلك المصنوعات.
- يجب على منظمات المجتمع المدني (الدينية والفكرية والثقافية والقومية) شن حملة شعواء لتحريض المواطنين على عدم شراء السلع المستوردة التي يوجد مثيل لها محلي الصنع؛ لأن هذا يزيد قوة المصانع المحلية، ويقلل السيولة المتدفقة نحو الخارج، مما يزيد السيولة المستخدمة في التصنيع المحلي.
- هذا سيكون له أثر كبير على المجال الاقتصادي أيضاً؛ لأن الصناعة هي جزء من العجلة الاقتصادية، وسيتم إفراد الاقتصاد بالحديث في حلقة خاصة.
هذا والله أعلم. وفيما يلي روابط المقالات الأخرى: