سيتم نشر هذه السلسلة بشكل يومي، وسأعرض محتواها في صورة نقاط ليسهل فهم المحتوى بشكل دقيق، وهي تتضمن توقع للمستقبل التركي بناء على المعطيات الحالية. ويتضمن هذا الجزء دراسة للتركيب السكاني التركي:
- مع حرص الحكومات المتعاقبة على زيادة النسل وزيادة عدد السكان، إلا أن الشعب التركي يفضل الرفاهية على ذلك، فقد كان معدل النمو السكاني عام 1961م 2.4%، وبقي ثابتاً على ذلك إلى عام 1974م، بينما هو عام 2019م 1.3%. ولو قارنا ذلك بإيران -الدولة المجاورة، وكونها المنافس الوحيد لتركيا في قيادة العالم الإسلامي بعد غياب السعودية وتبنيها الخط العلماني- لوجدنا أن المعدل فيها عام 1961م هو 2.6%، وارتفع إلى أرقام قياسية في بداية الثورة الإيرانية في الثمانينات حتى وصل إلى 4.1%، ثم انخفض مع انهيار الوضع الاقتصادي حتى أصبح مساوياً لتركيا عام 1993م، فبلغ 1.6%، ثم أصبح أدنى من تركيا لأربعة عقود، ثم بدأ بالارتفاع قليلاً فوصل إلى 1.4% عام 2019م.
- تركيا تتبنى سياسة إيواء وتجنيس لمحتلف الجنسيات والعرقيات الإسلامية الهاربة من جحيم الحرب، فقد جنست ملايين الأفغان والبلغار والبوسنيين والشيشان والعراقيين والأذريين والسوريين وغيرهم، وبهذا تضمن رفع عدد سكانها باستمرار. وهو ما لا تفعله إيران بسبب سياستها الدينية القائمة على تميز الدين ذي العرق الفارسي من جهة (العنصرية)، وسياستها التي تعتمد على الاحتلال المباشر للدول الإسلامية من جهة أخرى.
- لعملية التجنيس فوائد أخرى تستفيد منها تركيا، وهي زيادة ارتباطها العميق بدول العالم الإسلامي المختلفة، والاستفادة من الكفاءات عموماً، والاستفادة من نشاط اللاجئ خصوصاً، والذي يعمل ليعيش، ولا يعمل بقصد الحصول على الرفاهية.
- وجود لغة تختلف عن لغة الدول المحيطة بها يضمن عملية الدمج الكامل للمجنسين في مجتمعها، فهي إن لم تضمن دمج الجيل الأول من المجنسين فهي واثقة من الاندماج الكامل للجيل الثاني منهم.
- لا توجد تقسيمات في تركيا بناء على الدين؛ لأن الشعب بالكامل مسلم، إلا نسب ضئيلة من اللادينيين بعضهم من مخلفات الضعف الديني أواخر الدولة العثمانية، والحركات السياسية التي تبنت هذا المسار، وهم من كبار السن في معظمهم، وبعضهم ظهروا نتيجة إفرازات وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الحديثة.
- لا يوجد في تركيا أي تقسيم بناء على العرق أو اللغة، وهو موضوع شديد الحساسية في تركيا، وهو مستهجن شعبياً قبل أن يكون مستهجن رسمياً، إلا ما يسعى إليه الـPKK، ولهذا تقف الدولة التركية في وجهه بحزم شديد جداً، بل وتلاحقه خارج الحدود.
- توجد في تركيا الاتجاهات السياسية العامة التالية:
- قومية تركية.
- إسلامية من حيث العموم، ولا تصرح بهذا لأن القانون يمنع ذلك.
- أتاتوركية تمثل الارتباط بالقيم والمبادئ الجمهورية التي خلفها أتاتورك للدولة التركية.
- وطنية تمزج بين القومية والإسلامية، وهي تظهر على الساحة أحياناً وفجأة كالمنقذ من الاضطرابات والتقلبات السياسية التي تشكل خطورة على مستقبل تركيا كما حصل في حزب الوطن الأم بقيادة تورغت أوزال، والذي كان قبل ذلك نائباً لرئيس الوزراء في عهد انقلاب كنعان إيفرين!! فهذا الاتجاه ليس بالضرورة أن يكون له جسم سياسي واضح، وهو موجود في كل الأحزاب السياسية تقريباً.
- نسب الأصوات التي تحصل عليها الاتجاهات السابقة غير ثابتة، وهي تختلف بشكل كبير لأسباب كثيرة ومعقدة، بعضها داخلي ناتج عن قوة النزعة القومية أو الدينية أو الأتاتوركية، وبعضها خارجي ناتج عن الغزو الفكري الذي تتعرض له كل دول العالم.
- قبل التحول من النظام البرلماني إلى النظام الجمهوري ظهرت نزعة قوية لدى المجتمع التركي ترى أنه لا يوجد تعارض بين: القومية والأتاتوركية والدين، فيمكن أن يتمسك الإنسان بمبادئ الجمهورية التركية التي خلفها أتاتورك، وبقوميته التركية، وبدينه الإسلام في وقت واحد. وهذا يجعل النظر لتركيا وتركيبتها السياسية اليوم من منطلق حزبي خاطئاً جداً جداً برأيي.
- الدراسة الصحيحة لمستقبل تركيا السكاني (والسياسي) يجب أن يكون من منطلق الاهتمام بمستقبل تركيا وقوتها ونفوذها القوي في المنطقة، ومع ميل الأجيال الجديدة للرفاهية والتراخي والتفكير بحياتها فقط (الميل للانتفاع والمصلحة الشخصية)، فقد لا تزيد النسبة التي تهتم بمستقبل تركيا بشكل جدي وتحمله كقضية عن نسبة 15% من الاتجاه القومي الحالي، ونسبة 15% من الاتجاه الإسلامي الحالي، ونسبة 5% من الاتجاه الأتاتوركي الحالي، أما باقي السكان فيسيرون مع التيار، أو يقلدون رموزاً يعتزون ويفتخرون بها في هذا المسار، وجزء صغير جداً من هذا الباقي منتفع (نسأل الله أن لا يكثروا في المجتمع)، وجزء كبير من هذا الباقي يتحرك ضمن آلة الحياة ويسير على الحياد ولا يفكر بشيء. وهذا طبيعي في أي مجتمع، “إنَّما النَّاسُ كالإِبِلِ المِائَةِ، لا تَكادُ تَجِدُ فيها راحِلَةً”.
- مع أن الدولة تحاول بكل قوتها لزيادة هذه النسب، إلا أن رفعها يحتاج لعملية تربوية تتحرك لأجيال، ولا يكفي فيها مجرد الدفع الذاتي، ولا التعليم الروتيني، وهي عملية اجتماعية صعبة ومعقدة أيضاً وتستغرق وقتاً كبيراً للحصول على نتائج محدودة.
- بناء على بند سابق فيجب أن نضع في الحسبان:
- أن جزءاً من هذه النسب يحمل القومية بعيداً عن الدين والأتاتوركية، أو يحمل الدين بعيداً عن القومية والأتاتوركية، أو يحمل الأتاتوركية بعيداً عن القومية والدين.
- وأن جزءاً آخر يحمل هذه الاتجاهات بطريقة مختلطة متفاوتة.
- وأن جزءاً يحمل كل هذه الاتجاهات معاً في ذات الوقت.
- أياً كان الاتجاه الفكري أو العرقي أو الديني للفئة المخلصة لمستقبل تركيا فنسبتها داخل المجتمع لا تزيد عن 10%، وعليه فيجب أن تتضافر جهود المخلصين من هذه الاتجاهات جميعاً لتحقيق قفزة قوية لمستقبل تركيا.
- إذا سارت تركيا في الاتجاه الصحيح فإن الأحزاب ومسمياتها واتجاهاتها ستكون في المستقبل وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية داخلية وخارجية.
- في القطاع الداخلي -ومع اتجاه البلاد نحو النظام الفيدرالي- فيجب التركيز على عمليات التنمية لكافة القطاعات: الزراعية والصناعية والتجارية وغيرها، وتحييد الأحزاب والاتجاهات في هذا المجال تماماً، أي يجب أن تتعاون كل الاتجاهات لتحريك هذا المسار، والبعد عن عبثية الحكومة والمعارضة، فمشكلة تركيا بعد اليوم ليست داخلية، ولكنها خارجية بغرض تأمين أسواق خارجية لبضائعها.
- في القطاع الخارجي يجب التركيز على وجهين رئيسيين فقط: محافظ وليبرالي، والبدء في سياسة دولية متناغمة في العصا والجزرة، وبهذا تتغلب على المنافسين الدوليين اقتصادياً، وعلى الأعداء السياسيين التقليديين.
هذا والله أعلم. وفيما يلي روابط المقالات الأخرى: