هل يجوز تسمية من يصرح بموالاة الكفار بالمنافق؟!!

فيما يلي حكم تسمية إنسان أو جماعة بالنفاق أو المنافق:

  1. يجب التأكيد على أن إطلاق حكم الكفر الصريح على إنسان بعينه لا يجوز شرعاً إلا بحكم القاضي، فلا يحق للمفتي تكفير المعين؛ لأن التكفير له مقتضيات ولوازم، ومن بينها الاستتابة التي لا يجوز الحكم على إنسان بالكفر دونها، وليس من صلاحيات أحد أن يستتيب الكافر غير القاضي.
  2. إذا وجد القضاء الشرعي الذي يحاسب ويحاكم ويستتيب من تظهر منه أقوال أو أفعال الكفر فلا يحق لأحد أن يحكم على أحد؛ لا بالكفر، ولا بالنفاق. لأن القاضي والقضاء يميز أهل الكفر والنفاق عن غيرهم، وبيد القضاء أن يردع أمثال هؤلاء المتساهلين المجاهرين بأقوال وأفعال الكفر بالتعزير أو غيره. وعليه فالأحكام التالية عندما لا يكون هناك قضاء، أو لا يعبأ القضاء باستخفاف الناس بأسباب الكفر.
  3. لا يجوز الحكم على إنسان بالنفاق بسبب تصريح سياسي طارئ، أو موقف مؤقت، ويظهر من سيرته أنه لم يقل أو يفعل نظيره من قبل، فيحتمل أن تكون هناك ظروف معينة دعت لهذا الفعل أو القول.
  4. يجب دراسة تاريخ هذا الإنسان، فإذا ظهر من تاريخه أنه لا يؤمن بما قاله أو يعتقد بخلافه (ولم يتكرر منه القول كما في الفقرة السابقة) فلا يجوز وصفه بالنفاق.
  5. وعليه فـ {الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة: 52]، فتراهم يصرحون بوقاحة بولائهم لأهل الكفر، ويتفاخرون بذلك في كل مناسبة، ويفرحون بنصر الكافرين على المسلمين، ويستبشرون بقتل الكافرين للمسلمين، فأمثال هؤلاء يجوز وصفهم بالنفاق والمنافقين؛ إذ آيات النفاق نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في أقوام بأعيانهم يعرفهم الصحابة رضوان الله عليهم، ومن ذلك قول الله تعالى على سبيل المثال لا الحصر: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)} [النساء].
  6. بل يجب وصفهم بالنفاق؛ ليتميزوا عن المؤمنين، وليكونوا منبوذين في المجتمع، ولتنفير الناس من أقوالهم وأفعالهم الشنيعة. إذ هؤلاء لو كان للمسلمين قضاء لحكم بكفرهم الصريح، ولقُتِلوا بسبب ذلك إن لم يتوبوا بالاستتابة.
  7. الذين لم يصرح النبي صلى الله عليه وسلم بوصفهم بالمنافقين نوعان:
    • رؤوس النفاق الذين لهم أتباع يخشى من نفورهم من الإسلام إن أعلن الحرب عليهم، وهؤلاء كبعض حكام دول الملوك والطوائف في زماننا، والذين يجري خلفهم آلاف من الرعاع والأوباش.
    • الذين لم يظهر منهم أي قول أو فعل صريح ضد الإسلام، وهؤلاء لا يعرفهم إلا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، ولا يجوز وصف هؤلاء بالنفاق ولا بالكفر؛ لأنه لا يعلم ما في القلوب إلا الله.
  8. ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصرح بنفاق النوع الأول، لكنه لم يستنكر على من وصفهم بالنفاق، فقد قال عمر رضي الله عنه: دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ: “دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ” [متفق عليه]. فقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من القتل المبني على التكفير الصريح، لكنه لم يستنكر عليه وصفه بالمنافق، فدل هذا على أن موقف النبي صلى الله عليه وسلم سياسي مبني على موقعه السياسي كحاكم للمدينة، وعبارة الحديث تؤكد هذا. وعليه فعندما يصف أحد المسلمين بعض حكام دول الملوك والطوائف أو بعض السفهاء (الذين ظهر كفرهم أو يتفاخرون به حصراً) بالنفاق فنحن لا نستنكر عليه ذلك شرعاً، ولا نؤيده إن كنا في موقع المسؤولية، وإنما نستنكر عليه وصفهم بالكفر، فهذا لا يجوز له شرعاً، وإن كان النفاق أشنع درجات الكفر، بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء]، لكن لا تترتب عليه أحكام عملية.
  9. الذي ظهرت عليه بعض أعمال النفاق أو كلها، كالكذب أو إخلاف الوعد أو خيانة الأمانة وغير ذلك مما ورد في الحديث، فلا يجوز شرعاً وصفه بالنفاق؛ لأن هذا من النفاق العملي وليس من النفاق الاعتقادي.
  10. إذا وصل الفسق والزندقة ببعض البلاد أن تحاسب من يصف الكافر بالمنافق فيجوز له أن يتذرع بأنه يقصد بقوله النفاق العملي لا النفاق الاعتقادي ليستنقذ نفسه، وإن كان المنافقون إذا تسلطوا على المسلمين فإنهم {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)} [التوبة].
  11. إن إجماع الأمة على وصف أمثال هؤلاء (المجاهرين بالكفر والمجاهرين بالولاء للكفار) بالنفاق دليل صحة الأمة وسلامتها، أما إن اختلطت عليهم الأمور وأصبحوا مذبذبين في شأنهم لا يميزون بين الإيمان وأهل الإيمان وبين الكفر وأهل الكفر، بل يستسهلون العمل لخدمة الكفار والمحتلين ويعتبرونه من السياسة وليس من الدين، فيُخشى على دين هؤلاء الناس من ذلك.

والله أعلم…

اكتب رداً