أعياد غير المسلمين…

في كل عام يتكرر الكلام عن أعياد غير المسلمين بين مُبيح لها ومُحرم. وتعميم الإباحة أو التحريم خطأ محض، وبالأخص مع تشابك الفروع والتفاصيل في زماننا. ولهذا أرى وحوب بين بعض تفاصيل المسألة:

  1. لا يجوز للمسلمين الاحتفال بأعياد غير المسلمين الدينية مطلقاً، لا بشكل خاص داخل الأسرة المسلمة، ولا بين المسلمين، ولا بشكل عام بين المسلمين وغيرهم، ولا بدعوة خاصة من غير المسلمين. ويسع المسلمين أن يحتفلوا بأعيادهم، ففيها سعة وبهجة بعد عبادتين عظيمتين وركنين من أركان الإسلام، لا أن يهجروا أعيادهم ويجروا خلف أعياد غيرهم بمناسبة ولادة ابن لله كما يدعون، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
  2. وعليه فلو تضمنت التهنئة المشاركة في الاحتفال فلا تجوز، إلا إن كان قادراً على بيان مكانة عيسى عليه السلام العظيمة في ديننا، والتصريح بنبوته، وبيان مكانة مريم العذراء في ديننا. فإن لم يكن قادراً على ذلك فلا يجوز حضوره؛ لأن في حضوره إقرار ضمني لدينهم ومعتقدهم المخالف لأصول معتقداتنا الإسلامية.
  3. إذا كان صاحب الاحتفال ملحداً يصرح بإلحاده -كما هو حال الكثيرين في أوروبا- فلا وجه لاحتفاله، وهو مخالف لمعتقده في إنكار الأديان والآلهة والنبوات، فعلى أي شيء يكون حضورنا أو تهنئتنا، فنحن لسنا إمعة نصخب مع الصاخبين دون تفكير بما نفعل أو يفعلون.
  4. إن غاب لدى المحتفل المعنى الديني -كما هو حال كثير من الغربيين ممن لا يجاهرون بإلحادهم-، أو جهلنا حاله، فاعتقاده أمر مغيب لا نبني عليه الأحكام، والأصل أن يُبنَى الحكم على ظاهر الحال حينئذ، والظاهر من احتفال كذا أنه لكذا، وغياب المعاني عند المحتفل لا يعني أن تزول المعاني في أذهاننا نحن المسلمين. وعليه فالحكم هنا كالحكم السابق في الأعياد الدينية ممن يحتفل بها ديانة، فمن يقدر على الدعوة وبيان الشريعة بلباقة فتسعه المشاركة إن لم يكن في الاحتفال مخالفات شرعية، وإن لم يكن قادراً فيسعه الاعتذار، ودرء المفاسد واجب مع غياب المصالح من الحضور.
  5. التهنئة المجردة بأعياد غير المسلمين دون مشاركة تجوز مع بيان مباشر أو غير مباشر لعقائدنا فيها، كأن يكتب له عبارة: نبارك لكم ولنا ولادة نبي السلام عيسى عليه السلام. أو أن تأتي المباركة بعد آية في الولادة المعجزة لعيسى عليه السلام وليس قبلها، فيدل ذلك على أن المباركة لهذا المفهوم وليس لمفهومهم. فإن لم يكن قادراً على ذلك فيسعه أن يصبح أو يمسي أو يحيي بعبارات التحية المعهودة.
  6. يجوز للمسلم أن يشارك غير المسلمين باحتفالاتهم غير الدينية، إن لم تكن المناسبة مخالفة لشرائع ديننا (كزواج الشواذ ونحو ذلك)، وإن لم تكن فيها مخالفات شرعية، كالاختلاط والسفور والمجون أو غير ذلك.
  7. إن كان فيها مخالفات شرعية وحضر فعليه إثم ذلك، أما إن كانت المناسبة مخالفة لشرائع الإسلام ففيها جارحة من جوارح الإيمان بإقرار المنكر كحال امرأة لوط، أما إن كانت المناسبة دينية فالإشكال عقدي والعياذ بالله.
  8. وعليه فتجوز تهنئتهم باحتفالاتهم غير الدينية مطلقاً إن لم تكن المناسبة فيها مخالفة لشرائع ديننا.
  9. إن كانت المناسبة مخالفة لشرائع ديننا فلا يجوز حضورها مطلقاً؛ لا بقصد تعليمهم ووعظهم ولا بغير ذلك، فهي أماكن منكر لا يجوز حضورها، ويحسن الابتعاد عنها إن حصلت قريباً منك؛ خوفاً من أن ينزل عليهم عذاب أو غضب فيصيبك.
  10. عدم المشاركة في احتفالات غير المسلمين أو عدم تهنئتهم بها لا يُفهَم منها إعلان الحرب عليهم أو على دينهم، فالمسلمون حموا كنائس غير المسلمين لقرون، ولم يجبروهم على تهنئة المسلمين في أعيادهم، كما أننا غير مجبرين على تهنئة غير المسلمين بأعيادهم.
  11. ما نعلمه من معظم تلك الاحتفالات في زماننا أنها أصبحت مليئة بالمنكرات والفواحش، وغيرها مما لا يقبل النصارى الملتزمون فعله أو حضوره، فأعجب من نقاش وجدال المسلمين في ذلك ليأخذوا كلمة “مباح” مجردة عامة، ثم ينزلونها على ما يريدون فعله بعد ذلك!! ويُستَثنى من هذا الكلام بعض النصارى الملتزمين طبعاً، فاحتفالات هؤلاء لا صخب فيها ولا مجون ولا فاحشة ولا سكر، ولا أظن المسلمين في زماننا يسألون عن تلك الاحتفالات، وإن كان سؤالهم عنه فقد سبق الجواب عنه، فهذه الفئة الملتزمة من النصارى مع قلتها في زماننا تقبل الحوار الديني الهادئ من القلة المسلمة الملتزمة التي تريد نشر عظمة ميلاد نبي الله عيسى في كل فرصة.
  12. ما سبق يشمل أعياد ومناسبات النصارى، ويزيد اليهود عليه في مسألة الولاء والبراء في احتلالهم بيت المقدس. فمن كان منهم مقيماً بيننا فتنطبق عليه الأحكام السابقة، ومن كان منهم مغتصباً لجزء من الأرض المقدسة فهو حربي، ونخشى على من يركن إليهم الخروج من ربقة الإسلام والعياذ بالله تعالى.
  13. عجباً لزمان تطغى فيه اللباقة والبرتكول على الإيمان والثوابت وتتعارض معهما، وبدلاً من استخدام اللباقة والبتروكول لنشر الثوابت أصبح الناس يتركون الثوابت لأجل اللباقة والبروتوكول. ثم يتعلقون بعد ذلك بأذيال فتوى الشيخ الجاهل، لينطلقوا منها إلى ما حرم الله، وهل يملك ذلك الشيخ لنفسه من الله شيئاً يعصم نفسه به ليعصمك ويحميك أنت؟!! وهل القشة تُنجيك من الغرق؟! بل هل تنجيك القشة من الحريق أم تزيد اشتعالك؟!

فلنتق الله في أنفسنا وفي الخلق مع فساد هذا الزمان، ولا نروج بينهم الفتاوى التي يتذرعون بها للوقوع في الحرام!!!

اكتب رداً